داء البوريليات العصبي

من موسوعة العلوم العربية
(بالتحويل من Neuroborreliosis)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. جاد الله السيد محمود
المساهمة الرئيسية في هذا المقال

داء البوريليات العصبي LNB

يعد داء لايم أكثر الأمراض التي ينقلها القراد للبشر في نصف الكرة الشمالي. أما العامل الممرض المسؤول عنه فهو جرثومة البوريلية، وهي من الجراثيم الملتوية بطول 5-30 نانو متر.

يوجد في أوروبا على الأقل خمسة أنواع ممرضة للبشر من هذه الجراثيم، وهي:

  • بوريليا برغدورفيرية؛ الاسم العلمي: Borrelia burgdorferi sensu stricto.
  • البوريلية الأفزلية؛ الاسم العلمي: Borrelia afzelii.
  • البوريلية الغارينية؛ الاسم العلمي: Borrelia garinii.
  • البوريلية السبيلمانية؛ الاسم العلمي: Borrelia spielmanii.
  • واكتشفت مؤخرًا البوريلية البافارية؛ الاسم العلمي: Borrelia bavariensis.

وقد وجدت ثلاث أنواع أخرى (وهي Borrelia valisiana و Borrelia bissettii و Borrelia lusitaniae) في السائل الدماغي الشوكي أو في الحمامى المهاجرة لكن لم تثبت إمراضيتها للبشر بعد.

الإمراضية

التنقل في الجسم

تنتقل الجرثومة للمضيف بعد اختراق عدد من الحواجز والنجاة من الجهاز المناعي للمضيف (الجملة المتممة والكريات البيض).

تتواجد الجرثومة في الأمعاء الوسطى للقراد، وتنتقل لأمعاء البشر عبر الجريان الدموي وعندها يجب أن تنجو من مناعة المضيف، من الجملة المتممة ومن الكريات البيض. ثم تنتقل من الأمعاء للغدد اللعابية.

ترتبط بالبلاسمينوجين للمضيف باستخدام بروتينات تسمى OspA و OspC.

وتمتلك الجرثومة للحركة سياطًا داخلية، وهي تقع بين الغشاء الخارجي والداخلي لها.

الاختلاف المولد للأضداد

البروتينات السطحية للجرثومة مولدة للمناعة بشدة، ويمكن أن تحفز عدة سيتوكينات سابقة للعملية الالتهابية. ولمنع كشف الجرثومة باستخدام نظام المراقبة المناعي للمضيف تقوم الجرثومة بتنظيم تعبير عدد من بروتيناتها السطحية. فمثلًا يتوقف التعبير عن OspA أثناء عملية التغذية في حين يتزايد التعبير عن بروتين OspC، وغالب الأمر أن ذلك يعود لارتفاع الحرارة واختلاف حموضة الوسط. ويبدو أنَّ OspC يقوم بدور هام في هذه الممرحلة المبكرة من العدوى.

فهو يمكن أن يرتبط ببروتينات تسمى Salp15 ما يثبط تفعيل الخلايا التائية CD4+، ويحمي الجرثومة، ويمنع ترسب عوامل المتممة على سطحها. ووفقًا لذلك، فهذا البروتين السطحي ضروري لنجاة الجرثومة، حيث أن جراثيم البوريلية التي لا تمتلكه غير قادرة على النجاة في المضيفات الثديية.

تعطيل مناعة المضيف

إنَّ البوريلية البرغدورفيرية قادرة على الارتباط بالبروتينات اللعابية لحشرة القراد الحاوية ذات الخواص الحامية على سطحها. فالبروتينات اللعابية ISAC و IRAC قادرة أيضًا على تعطيل الجملة المتممة للثديات. بالإضافة لذلك تمتلك البوريلية بروتيناتها الخاصة المعطلة للمتممة، البروتينات السطحية اللازمة لتنظيم المتممة CRASP 1–5، وعامل الارتباط H وكذلك مماثل OspE أو ما يسمى بالبروتين المنظم للمتممة CD59 والمعروف أيضًا باسم ‘protectin’.

يبدو أنَّ هذه البروتينات لها دور هام في مقاومة جملة المتممة، وربما غيابها هو المسؤول عن الحساسية الأكبر تجاه المتممة لجراثيم البوريلية الغارينية والأفزيلية بخلاف البوريلية البرغدورفيرية.

علاوة على ذلك تحفز البوريلية البرغدورفيرية إنتاج الإنترلوكين 10 المضاد للالتهاب.

الاختباء في العش الحامي

من الطرق الأخرى التي تستخدمها هذه الجراثيم للهروب من الجهاز المناعي للمضيف هو الاختباء في أجزاء صعب الوصول لها (مثل المصفوفة خارج الخلوية) والمعروفة أيضًا بالمواقع المناعية المميزة.

لدى هذه الجراثيم القدرة على ربط البلاسمينوجين على سطحها باستخدام OspA.

يمكن تفعيل البلاسمينوجين باستخدام البلاسمين، ما يؤدي لتهتك المطرس خارج الخلوي ما يسمح لها بالتالي بالغزو. لكن يجب ذكر أنَّ OspA يقل إنتاجه في المرحلة المبكرة من العدوى. لذلك لا تقوم هذه الآلية بدور إلا في الإمراضيات داخل القراب، حيث هنالك مؤشرات لزيادة إنتاج هذا البروتين في السائل الدماغي الشوكي عند المرضى المصابين بداء البوريليات العصبي.

إضافة لذلك توجد بروتينات لها قدرات تخريبية (تحليلية) مثل محللات البروتينات الفلزية المطرسية (MMPs). فمثلًا يزداد إنتاج بروتين MMP-9 في كل من آفات الحمامى المهاجرة الجلدية وفي السائل الدماغي الشوكي عند المرضى المصابين. ومن ناحية أخرى لم تظهر الدراسات على الفئران ناقصة هذا البروتين انتشارًا ضعيفًا لهذه الجراثيم. إلا أنَّ زيادته أظهرت زيادةً في الانتشار. ويبقى الدور الوظيفي لهذه البروتينات في داء البوريليات العصبي غير واضح حتى الآن.

بعد اختراق الجرثومة لداخل المطرس خارج الخلوي تكون قادرة على الالتصاق ببرويتنات المصفوفة، ببروتينات الديكورين Decorin والفيبرونيكتين. والأولى ضرورية ليس فقط للانتشار، إنما أيضًا للنجاة في المطرس خارج الخلوي.

ومن الأعشاش الحامية الممكنة الأخرى هو الموقع داخل الخلوي لجراثيم البوريلية البرغدورفيرية المعروف استخدامه من قبل جراثيم أخرى، مثل المتدثرة (الكلاميديا) والمفطورة (الميكوبلاسما). لكن يجب ذكر أنَّ هذه الجراثيم أصغر من البوريلية بـ 50 مرة وأن يمكنها النجاة داخل الخلايا.

كما وجدت البوريلية في كل من الخلايا البطانية والعصبية والزليلية والدبقية في الكائنات الحية.

اختراق الجهاز العصبي المركزي

أكثر التظاهرات السريرية تكرارًا لداء لايم هو الحمامات المهاجرة. والتي تصيب 90% من الحالات. وإن توسع هذا الطفح ناتج عن الهجرة الطاردة مركزيًا لجراثيم البوريلية من موقع عضة القراد.

لم يعرف حتى الآن كيف ولمَ تنتشر البوريلية للأعضاء الأخرى. وقد اقترح مؤخرًا في أمريكا الشمالية أن انتشارها أكثر ما يكون عن طريق المجرى الدموي، في حين أنَّه في أوروبا ظهر أنها تفضل الهجرة عن طريق بنىً أخرى (مثل الأعصاب المحيطية) مباشرةً لجذور الأعصاب. وقد كان هذا الاقتراح مستندًا على الانتشار الأعلى لهذه الجراثيم في الدم، ووجود مرضى أكثر مصابين بحمامات مهاجرة متعددة في أمريكا الشمالية مقارنة مع الحالات في أوروبا. بالإضافة لذلك فالصورة السريرية لداء البوريليات العصبي يشير إلى نمط مختلف من الغزو للجهاز العصبي بين أمريكا وأوروبا. ففي أوروبا يشيع ترافق المرض مع التهاب الجذر السحائي المتعددة مع شدة عظمى للألم قرب موقع العضة (متلازمة بانوارث)، لكن تظاهرات المرض في الجهاز العصبي المركزي أكثر انتشارًا، مع حصول التهاب سحايا أو اعتلال دماغي في الغالب.

قد يكون السبب وراء هذا الاختلاف بين أمريكا وأوروبا هو اختلاف أنواع جراثيم البوريلية. ففي حين كانت جراثيم البوريلية البرغدورفيرية هي الوحيدة التي وجدت في مرضى أمريكا الشمالية، كانت جراثيم البوريلية الغارينية ومؤخرًا البوريلية البافارينية هي البوريليات الموجودة نموذجيًا عند مرضى متلازمة بانوارث. وفي دراسة أوروبية وجد عند 65% من المرضى المصابين بالبوريلية الغارينية في السائل الدماغي الشوكي يعانون من التهاب سحايا وجذور نموذجي، بخلاف المصابين بجراثيم البوريلية الأفزيلية.

التفاعل الالتهابي في الجهاز العصبي المركزي

حالما تدخل البوريلية البرغدورفيرية الجهاز العصبي المركزي تحفز تفاعلًا التهابيًا، يتظاهر بكَثْرَةُ الخَلاَيا اللمفاوية الوحيدة في السَّائِلِ النُّخاعِيّ.

فيزيولوجيًا يعد الجهاز العصبي المركزي موقعًا متميزًا مناعيًا، حيث أنَّ هنالك فقط عددقليل جدًا من الخلايا المناعية. لكن العدد القليل من الخلايا الدبقية والخلايا الوحيدة مسؤول عن الحماية المناعية في الجهاز العصبي المركزي وفي السائل النخاعي مقارنة مع الدوران الجهازي.

ونادرًا ما توجد عدلات أو مكونات جملة المتممة، إذا وجدت أساسًا.

بالإضافة لذلك يفتقر الجهاز العصبي المركزي لجهاز لمفي متكامل، حيث ليس هنالك من تصريفٍ لمفي. لذلك فحالما تعبر الجارثيم الحاجز الدموي الدماغي يصبح الجهاز العصبي المركزي مكشوفًا لها دون دفاع.

لكن لا تعد الإصابة بداء البوريليات العصبي مرضًا قاتلًا، فمعظم الإصابات تكون نتيجة الانقسام طويل الأمد لهذه الجراثيم ونقص الذيفانات الداخلية التقليدية. لذلك يملك المضيف وقتًا كافيًا للتعامل مع غزو البوريليات.

وباستخدام مقايسة البروتين كفحص مسح فإنَّ ارتفاع إنتاج أربع منشطات كيميائية (عائلة GRO و CXCL8 وCXCL10 وCXCL13) وجد في السائل الدماغي الشوكي للمرضى المصابين بداء البوريليات العصبي.

كذلك وجد ارتفاع في التعبير عن المنشط الكيميائي الجاذب لخلايا بيتا CXCL13 عند الإصابة بداء البوريليات العصبي والذي لا يحدث عند الأصابة بمعظم الأمراض الالتهابية في الجهاز العصبي المركزي.ويبدوأنَّ الخلايا الوحيدة الموضعية مصدر هذا المنشط الكيميائي.

خلل الوظيفة العصبية

لسوء الحظ فلا يعرف إلا القليل عن إمراضية داء البوريليات العصبي. مبدأيًا هنالك 4 آليات:

  • تأثير مباشر سام للخلايا لجرثومة البوريلية.
  • إفراز و/أو تحرير وسائط سامة للخلايا من جرثومة البوريلية البرغدورفيرية (مثل الليبوبروتينات).
  • نتيجة التفاعل الالتهابي للمضيف.
  • هجوم مناعي ذاتي نتيجة إنتاج مشابهات جزيئية.

أعراض داء البوريليات العصبي

في أوروبا

التظاهر الأكثر شيوعًا لهذا الداء في أوروبا هو التهاب الجذر السحائي المتعددة (متلازمة بانوارث). ويتميز بألمٍ رامح شديد، يشتد نموذجيًا في الليل.

ترتبط الإصابة بالخزل (الشلل الجزئي) غالبًا بموقع الألم الأشد، وقد يؤثر على الأعصاب والجذع والأعصاب القحفية. أما الإصابة النموذجية فتتظاهر – على سبيل المثال – بخزل العضلات البطنية أو شلل وجهي ثنائي الجانب.

وإنَّ الإمراضية العصبية في سياق التهاب جلد الأطراف الضموري المزمن أو التهاب الدماغ والنخاع تعد تظاهرات نادرة لهذا الداء، وتنتمي للصورة السريرية النموذجية لداء البوريليات العصبي المزمن.

إضافة لما سبق فقد ذكرت تقارير لبعض الحالات تظاهراتٍ عصبيةً إضافية في الجهاز العصبية المركزي، مثل التهاب المخيخ ومتلازمة النفق الرسغي، لكن استنادًا لمثل هذه الحالات النادرة فمن الصعب تمييز الصدفة عن السبب الحقيقي.

في أمريكا الشمالية

التظاهرات أقل تمييزًا للمرض مقارنة مع تظاهراته في أوروبا. ويحدث فيها صداع وتيبس رقبي (نتيجة التهاب السحايا) واعتلال عصبي حسي طفيف، أو تشوش إدراكي خفيف في سياق الاعتلال الدماغي.

السبب وراء الصور السريرية المختلفة بين القارات هو كما ذكرنا لاختلاف أنواع البوريليات المسببة.

متلازمة ما بعد الإصابة بداء لايم

ما يزال النقاش دائرًا حول وجود هذه المتلازمة بالفعل. فطبقًا لمعايير التشخيص المقترحة فهي تواجه المرضى بعد علاجهم من داء لايم. ويعانون من أعراضٍ مستمرة خفيفة غير محددة مع استثناء بقية الاحتمالات.

بداية الأعراض يجب ألا تكون بعد 6-12 شهر من داء لايم.

التشخيص

يعتمد التشخيص الحاسم لداء البوريليات العصبي على ثلاثة عوامل:

  • صورة سريرية مناسبة.
  • كثرة الخلايا اللمفاوية في السائل النخاعي (في حالات نادرة فقط يكون العدد طبيعيًا)، ويمكن استخدام تفاعل البوليمير المتسلسل في هذه الناحية لتأكيد التشخيص، إلا أنَّ حساسيته في هذا الداء منخفضة للغاية (10-30%).
  • كشف أضداد البوريلية البرغدورفيرية داخل القراب (لكن يجب الأخذ بالاعتبار أنَّ إنتاج الأضداد داخل القراب قد يستغرق بضعة أسابيع).

في حال لم يكشف ارتفاع للأضداد لكن تبين ارتفاع في عدد الخلايا في السائل الدماغي الشوكي مع استثناء بقية الأسباب الممكنة تكون الإصابة بداء البوريليات العصبي حينها ممكنة، لكن ليست أكيدة.

في حال ظهرت صورة سريرية واضحة على المريض (مثلًا متلازمة بانوراث) يكون التشخيص مؤكدًا كفاية، حتى دون إجراء التحاليل المخبرية. وتجرى التحاليل في حال فشل العلاج.

ومن العلامات الحيوية الهامة التي تُكشف في هذه الإصابة هي CXCL13 الذي تحدثنا عنه سابقًا.

كما يعد تعداد اللمفاويات CD57+ مفيدًا في التشخيص.

العلاج

بالصادات الحيوية، وتتضمن المساقات العلاجية المقترحة:

تقدر مدة العلاج عادةً بـ 14 يومًا، ويتراوح الاختلاف في تحديد المدة بين 10-28 يومًا.

المصدر

https://www.medscape.org/viewarticle/738274_8